الأحد، 11 سبتمبر 2011

:: تغيير القناعات .. ماذا تحتاج ؟ ::


ان حياة الانسان هي عبارة تفاعله مع البيئة المحيطة به، فالتفاعل مع رب العالمين يعتبر عبادة، والتفاعل الفطري مع البشر هو تعايش، والتفاعل مع غيرها كالجمادات انما هو من باب المنفعة، ولكل تفاعل من هؤلاء فنٌّ يختص به، يسعى من خلاله الانسان المضي في تفاعله بأقل نسبة ممكنه من الأخطاء.

واذا كان الحديث عن علاقة الافراد بعضهم ببعض، وفيما يختص بتصحيح بعض السلبيات او المفاهيم لديهم، كيف يمكننا التأثير دون ان نضع ذلك الحاجز الذي ينشأ من خلال اسلوب التهجم او التهمة الذي يتخذه البعض في نقاشه مع الاخرين، وكيف يمكننا ان نعالج السلوكيات السلبية مع المحافظة على العلاقات الطيبة مع الاخرين، هل نملك فنون خاصة في النقاش والاقناع؟؟

ان اسلوب التهجم والخصومة لا يجدي نفعاً في إيصال رسالتنا للطرف الاخر ، لان بناءه سيكون عادةً ناتج عن ردة الفعل ، اذ ان غلظة النقاش تؤدي الى انفعال القوة الغضبية لدى الانسان، ودفاعه عن  فكره وآراءه ومعتقداته يكون بدافع الغضب والتبرير بأي شكل من الأشكال، مصيباً كان ام مخطأً، والبديل الناجح هو مايدعو اليه القران الكريم.. اسلوب الحكمة والموعظة الحسنة والجدال باللتي هي احسن، فكلما كان الكلام رقيقاً اخوياً كان تسلله الى القلب اسرع وبقاؤه ادوم، وحتى الجدال الذي يذكره القرآن الكريم في الآية "وجادلهم باللتي هي احسن" يحتاج منا الى عملية تهذيب وادراك لهذا الجدال حتى لا يتحول الى صراع وخصومة.

ومن المعلوم ان القناعات والسلوك هي نتائج لمقدمات، ومن كان يريد الاصلاح يتجه الى المقدمات، ومن اكبر الأخطاء التي نواجهها في المجتمع هو محاولة معالجة السلوك الخاطئ النابع من مقدمات غير سليمة، فالاتجاه نحو النتائج رغبةً في تقويمها كمن يستخدم المسكنات لعلاج مرضه، فهي معالجة وقتية وفي حال رفع المؤثر سيرتفع التغيير مع تقادم الوقت.

يجب ان نعرف من اين تنشأ هذه القناعات والسلوكيات لنحاول تغييرها والتأثير فيها، منشأ  السلوك والاعتقاد هو الفكر الذي يحمله الانسان والناتج من عملية التربية والتعليم، حيث ان السبيل الوحيد لتغير القناعات هو الدخول في أسس التربية التي قامت عليها تلك الشخصية ومحاولة تصحيح مفاهيمها كالاهتمامات والصداقات وحتى في اختيار القدوات، متزامنة مع عملية التغذية بالعلم السليم الذي ينطلق على أساسها الفرد إلى المجتمع.
 
فلكي نأثر في قناعات وفكر الاخرين نحتاج الى الدعوة بالتي هي احسن، ومعالجة المقدمات الخاطئة، وفي حال معالجة هذه المقدمات من الطبيعي ستكون النتيجة تابعة للمقدمة.

الخميس، 8 سبتمبر 2011

:: النقد والمحبطون ::


(النقد هو عمليه توجيه وإبداء ملاحظات اتجاه عمل معين بهدف تطويره)
ان العمل الايجابي الذي يسعى من خلاله الفرد لتطوير الذات والمجتمع يحتاج الى بعض العوامل التي تساعد على استمرار هذا الشعور بالمساهمة الفاعلة غضاً طرياً، تماماً كما هو الحال في المحركات التي تحتاج الى الوقود لضمان استمرارية عملها على اكمل وجه والحفاظ على كفاءة عطائها، والتي تبتدئ بالتحفيز الشعوري الى التحفيز العملي، فيأخذ التحفيز اشكال كثيرة منها تقدير النشاط بالكلمات التشجيعية او إبداء الملاحظات باسلوب يدلل على الاهتمام بتطوير هذا النشاط وهو النقد البنّاء او المشاركة فيه من باب الدعم.

من الطبيعي أن يتبنى البعض الموقف النقيض لعملية التحفيز.. فيأخذ دور المثبط ويشكل الحاجز الذي يعوق العمل ويحول دون انجازه، ويبنى هذا الموقف من عدة عوامل ومنها الجهل بإسلوب النقد او التشاؤم الذي يرجع سببه الى عدم قدرتهم على ما يقوم به الآخرون بسبب فشل سابق، فتتكون لديهم تلك النظرة التشاؤمية، او اتخاذ النقد الهدّام كمنهج واسلوب مُتّبع في التعامل مع الاخرين.

وفي ظل التطور العلمي الذي نعيشه، اصبح لكل نشاط او سلوك علم متخصص قام بناءً على دراسات وابحاث اوصلت الى نتائج تجنبنا الوقوع في الكثير من الأخطاء نتيجة الارتجال في قرارات التعامل مع الاخرين، وهذا الكلام ينسحب ايضاً على النقد تأثيرها في العلاقات مع الاخرين، ومما يؤخذ بعين الاعتبار في عملية النقد والذي نذكر منه على عُجالة : الادب في النقد،  تقدير الجهد المبذول، الإلمام بالموضوع المُنتقَد، المساهمة بوضع الحلول البديلة وعدم الاكتفاء بتوجيه الانتقادات ... وغيرها.

وامّا من يتخذ النقد الهدام اسلوباً ومسلكاً في حياته، فهذه تعتبر من البلاآت الكبرى التي تواجه اصحاب المشروع، ومن لم يعرف كيفية التعامل معها ستكون سبباً في تدميره، فهم يبدعون في الأساليب التي تعيق العمل، ويتخذون اسلوب النقد من اجل النقد، وكذلك يملكون ايضاً من العقليات الجبارة التي تمنع اي شخص ان يدخل في حوار معهم يُناقش انتقادهم.

وفي كيفية التعامل مع هذا النوع من الانتقاد فيمكن بعدة طرق ومنها التجاهل، بالإمكان الإعراض عن الكثير من الانتقاد الذي قد لا نجد له مبرراً او لا يطابق واقعية العمل و المشروع، والتحفظ في طرح ما يتعلق بالمشاريع والأعمال امام الملأ لألا نترك المجال لأي كان ان يتدخل في مالايعنيه، او إتاحة الفرصة أمامه لبث تلك الانتقادات الهدامة، فليس كل مايُعرف يقال ولا كل مايقال جاء أوانه وليس كل ما جاء أوانه حضر اهله.
 

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

.:: العقل والعاطفة .. والدور المطلوب ! ::.



" يجب ان تكون قاسي العقل رقيق القلب " .. حكمة

العقل والعاطفة .. قوتان اودعهما الباري جل وعلا في الانسان وميّزه بهما عن سائر الخلق، ولم يكن الله سبحانه ان يودع هاتين القوتين الّا لغاية وهدف (حفظ توازن الأفعال اتجاه المواقف)، ولو افترضنا ان يُخلَق الانسان دون هذا المخلوق الذي يخاطبه تعالى (ما خَلقتُ خلقاً احبُّ اليّ منك ولا اكملتك الاّ فيمن احب) النتيجة انه سيكون كباقي المخلوقات بل ربما اضل سبيلا، كذلك اذا تم تطبيق الافتراض السابق على العاطفة فالنتيجة بأن يكون الانسان كسائر الجمادات، دون شعور واحساس، فمن نعم الله تعالى أن تكون هاتين القوتين من ضمن التكوين البشري.

العقل هو ذلك السراج الذي ينير درب البشرية من خلال التوجيه الذي تقوم به هذه القوة الفطرية لما هو حق و الابتعاد عمّا هو باطل، وهو مركز البحث والمعرفة، التعامل المبني على القوى العقلية عادةً يستمد حُكْمهُ من الاستدلالات والبراهين، ومن المؤسف الاّ يقوم الانسان باستخدام هذه النعمة الالهية لو بالجزء اليسير من الإمكانيات الهائلة المودعة فيها، حيث يقر العلماء بأن اكبر طاقة استُخدمت من العقل تمثل ٢٪ من امكانياته وقدراته، ومن الخطأ ان يعتقد البعض بأن القدرات العقلية اودعت في الانسان بنسب متفاوته.. اذ ان الاستعداد مودع في جميع البشر على حدٍ سواء ولكن نسبة الاستفادة من هذه الطاقة متفاوت بحسب استغلال الانسان نفسه لها.

العاطفة .. تعرف العاطفة في علم النفس على انها" استعدادٌ نفسي ينزعُ بصاحبه الى الشعور بإنفعالات معينة والقيام بسلوك خاص حيال فكرة او شيء" .. العاطفة خاضعة للقلب ويعبّر عنها الشيخ محمد تقي فلسفي بأن العاطفة تتبحر في باطن الحياة كما ان العقل يتمعن بظاهرها، وهي اخطر ما يوجه الانسان في حال غياب دور العقل في التوجيه، اذ ان التصرفات التي تنتج عن المواقف وتتصرف فيها العاطفة غالباً ماتكون قد بُنيت على الأهواء والانفعالات، ولسبب عدم قدرة الجميع على استغلال القوة العقلية بالشكل السليم يكون دور العاطفة اكثر بروزاً وتأثيراً اتجاه المواقف والاحداث، ولا يعني انها لا تخضع مطلقاً للعقل بل يمكن لها ذلك وهذا مانطلبه..

وينبغي الاشارة الى ان الإفراط في الخضوع للعواطف دون تدخل العقل كعامل موازنة يعتبر من مأزمات التفاعل مع المجتمع .. وخصوصاً لفئة الشباب حيث يشير علماء النفس ان فئة الشباب هم اكثر من يخضع للعاطفة نتيجة انتقالهم من مرحلة الطفولة والتي تعتبر مرحلة تدرج العواطف من عدم الإحساس بأهميتها إلى مرحلة محاولة لفت الأنظار وجذب اهتمام الاخرين وكسب تعاطفهم وودهم.

الحب من العاطفة والإفراط فيه يوقع في المتاعب، الغضب من العاطفة والإفراط فيه يوقع في المتاعب، الحزن من العاطفة والإفراط فيه يوقع في المتاعب، ولو أخذ العقل دوره في كل موقف من هذه المواقف لأدرك قول الامير ع :"أحبب حبيبك هوناً ما" في الحب، ولأدرك قول المصطفى ص لذلك الأعرابي الذي طلب النصح منه لاكثر من مرة وكان جواب النبي الأكرم ص في كل مرة انه "لا تغضب"، وكذلك هو الحال في كل موقف عاطفي.

لا يخفَ على احد ان لكل من العقل والعاطفة دور في عملية التفاعل والتعاطي مع المواقف، فيجب ان يوضع كلا منهما في موقعه دون إفراط او تفريط، كل ما يحتاجه الشاب هو عملية السيطرة على تلك العواطف والانفعالات من خلال تحكيم العقل ولو بالمحاولة والتدريب، وذلك لا يكون الا شعوراً منّا بأهمية وخطورة الاعتماد الكلي على العواطف والانصياع لأوامرها في التفاعل مع المواقف.

 

السبت، 3 سبتمبر 2011

 .. ( مابين التربية والابداع ) .. 


ان الإبداع يعتبر مظهر تميز يصبغ العمل الذي تتوفر فيه شروط عدة ومنها الحداثة و المنفعة، وكل من يعمل في مجالات الحياة المختلفة يسعى جاهداً لان يكون عمله مميزاً وابداعياً شعوراً منه بعطاءه للمجتمع والذي يُشعر الانسان بالارتياح والانتعاش النفسي في مقابل هذا العطاء، ورؤية اثره وبصمته على المجتمع.

ان عامل التربية يعتبر العامل الاول المؤثر في استخراج هذه الطاقات وصقلها بالشكل السليم وتقديمها للمجتمع على انها احد مخرجات التربية السليمة، وقد تقوم الاسرة بهذا الدور التربوي ويتمثل دورها بالتربية الموجهة اويقوم به الاصدقاء بعملية التربية الغير موجهة وهي الاكثر تأثيرا في مرحلة الشباب، اما الاسرة فيمكن دورها القوي بالتأسيس حتى يضع الشاب اولى خطواته في طريق الاستقلال بحياته الشخصية، فلابد ان نعلم ان هناك ارتباط وثيق بين عملية التربية والتنشئة وعملية العطاء والابداع.

يقسم علماء التربية عملية التربية الى نوعين وهما: التربية التلقينية والتربية النقدية، وكان هذا الاستنتاج يرجع لوجود ملكتين في عقل الانسان وهما ملكة الذاكرة والحفظ وملكة البحث والتحري، وللأسف ان اغلب المؤسسات التعليمية وكذلك اغلب الأسر تعتمد بشكل كبير على ملكة الذاكرة والحفظ بحيث يحاول الاب ان يشكل ابنه بشاكلته دون نقاش او حوار .. حتى لا يقع الابن ضحية للتجارب الخاطئة ، او فقدان الثقة بالابناء نتيجة خبراتهم المتواضعة في الحياة، فتتكون الشخصيات المنسوخة من الشخصية الاصل بطباعها وسلوكها نتيجة التلقين في عملية التربية، اما لو كان الاب يسمح بالنقاش او الحوار لاستخرجنا عقولاً باحثة ومفكرة تسعى للتطور ولا ترض ببساطة الطموح، بل تسعى للابتكار والابداع.

كذلك هو الحال في العملية التعليمية، فالطالب يسعى لان يحفظ المادة العلمية لينجح ومن بعد ذلك يرمي ماتعلمه في سلة النسيان وكأنه شيئاً لم يكن ويرجع ذلك الى التربية التلقينية التي تبتعد عن النقاش والحوار من اجل إيصال المعلومة عن قناعة وتفكير.

علينا ان نزع في أبناءنا روح النقد والملاحظة والبحث حتى تتكون تلك الشخصية المستقلة برأيها والتي تسعى لان تحمل مايمكن تقديمه من افكار وملاحظات في سبيل التطور والابداع.

وللاطلاع على بحث تفصيلي في هذا المجال يمكن مراجعة محاضرة السيد منير الخباز والتي تحمل عنوان ( النقد بين الضرورية والاشكالية ).

الخميس، 1 سبتمبر 2011

عقيدة وتعايش

نعيش نحن اليوم في مجتمع يضم اطياف مختلفة تختلف بحسب البيئة حضرية كانت ام بدوية، وتختلف باختلاف الأديان كمسلميها ومسيحييها، وغيره من الاختلافات الطبيعية التي تعتبر اساس تكوين اي مجتمع من المجتمعات، ومن المعقول في ظل هذا التنوع الذي يعيشه المجتمع ان تقع بعض الاختلافات نتيجة تباين الأفكار والمعتقدات التي تقوم عليها كل مجموعة من هذه المجموعات.
وحيث ان هذا المجتمع يحمل نسيجه المتباين منذ زمن بعيد فلا يحق لأي فئة ان تلغي فئة اخرى لمجرد الاختلاف معها في محور من المحاور او نقطة من النقاط، فلا سبيل للحفاظ على هذا المجتمع الا بالتعايش، وأقصد بالتعايش هنا هو حفاظ كل طرف على إيمانه بما يعتقد دون التعرض لمعتقدات الاخرين بسوء والتعامل مع الطرف الاخر على اساس " اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق "، ان الاخذ بمبدأ التعايش يجنب المجتمع الوقوع في هاوية النزاعات والصراعات التي تفقد المجتمع احد اهم مقوماته وحاجاته وهو الشعور بالأمن، فبعد فقد الامن اي حياة تُرتجى وأي عطاء وتقدم يُطلب ، اذ ان الشعور بالأمن احد اهم اسباب استقرار المجتمعات.


وفي الآونة الاخيرة لوحظ ان بعض مِن مَن يحمل الفكر المتطور الذي ينبذ كل انواع التعصب - وهذا اتهام للمتدينيين بانهم متشددون ومتعصبون - قد ينسلخ من جلده ومن مجتمعه، او قد لا يتفاعل مع اي قضية تتعلق بمعتقده طلباً لمنصب دنيوي او ارضاءً للغير، والركون الى الحجة التي تقول بأن خط التدين وخط المواطنة لا يلتقيان، فطالما يُنسب الشخص الى التدين فهو سبب لتمزيق المجتمع بالفرقة الطائفية، ومع احترامي لهذا الرأي لكن اجد فيه الكثير من الخلل في فهم التدين إمّا قصوراً او تقصيراً، فهاهو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول " حب الأوطان من الايمان " وهذا دليل على ان المواطنة هي فرع التدين، فالدين هو الذي يدفع سلوكنا نحو التعامل مع الغير وفق الاحترام والدعوة الى حب الأوطان واعتبارها من الايمان.


وأما القيام بهذا التصرف ارضاءً للذات او لكسب مصالح دنيوية، فمن الغباء ان يقوم المرء بخلق اعتبار وكيان لنفسه امام رب العزة والجلالة، فسعينا في هذه الحياة - للمتعقل- يجب ان يكون في ما امر الله سبحانه وتعالى، لا حسب ماتملي علينا اهواءنا، ان كان سعينا لخير الدنيا والآخرة علينا ان نضع جانباً إرضاء المخلوقين والسعي الجهيد لإرضاء الخالق جل وعلا،
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ ### وبيني وبين العالمين خرابُ


ويعلم كلنا ان من ينسلخ من جلدته ابتغاء إرضاء الاخرين سيلفظه الجميع بسبب انه في حال تنكره لمن ينتمي اليهم فمن المسلّم ان يقوم هذا الفرد بأي فعل مماثل في المستقبل وفق ما تمليه مصلحته الشخصية.
قال الامام الصادق (ع): ستصيبكم شبهةٌ فتبقون بلا علم يُرى ولا إمام هدى ، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق ..
وهو:
(( يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ))