الخميس، 4 أكتوبر 2012

:: تميز ينطلق من قلم ::


كنت في بداية قبولي في وزارة التربية لأكون معلماً للمرحلة المتوسطة قد بنيت إعتقاداً سابقاً بأن الوظيفة التي أقدم عليها من أشق المهن وأصعبها بل وأنها من المهن الطاردة التي ينفر منها الجميع وذلك نتيجة ماسمعنا من بعض أهل الميدان الذين لاصلة لهم بهذا السلك، وعندما يسألني البعض عن وظيفتي ترى علامة الاستغراب تُرسم على وجهه وكانه يسأل بإستنكار" مالذي دفعك للإقدام على هذا الشقاء .. إنها مهنة متعبة!! "، ومن خلال عامي الثالث في ميدان العمل اكتشفت أنها متعة لمن يسعى بشكل فعلي لتشكيل صورة يحتذى بها كقدوة صالحة في المجتمع، ولا يكون إقتصار دور المعلم في منهج تعليمي يُلقن للطلاب ويُمحى بإنتهاء العام الدراسي.. بل على العكس تماماً فأنا أتحرز الفرصة بعد الفرصة لإنهاء درسي في وقت مبكر- مع تغطية جميع جوانب الدرس وبشكل متقن- حتى يتسنى لي المجال لطرح بعض القضايا التي تنفع الطلاب خارج نطاق المنهج والمدرسة إيماناً مني بدور المعلم في عملية توجيه سلوك الطلاب وضبط انفعالاتهم وتوجيهها التوجيه السليم بما يعود بالنفع عليه في الدرجة الأولى وعلى المجتمع في الدرجة الثانية.
-
في احدى المرات وبعد انتهائي من عرض الدرس وقد تبقى من الوقت على نهاية الحصة الدراسية مايقارب العشر دقائق أخرجت قلم رصاص الذي استخدمته كأداة لايصال رسالتي ووجهت سؤالي للطلاب" من منكم يستطيع أن يكسر هذا القلم الخشبي بأصغر أصابع يده (البنصر)؟؟" فما كان من الطلاب إلاّ أن ينظر بعضهم إلى الآخر بتعجب واندهاش وكأن لسان حالهم يقول " ماذا يريد المعلم أن يفعل وماهي رسالته من هذا السؤال!! " وبعد ذلك قمت بكسره مستعيناً بأحد الطلبة وفق الشرط الذي ذكرته أمامهم وبدأ حديثي بالانطلاق..
-
إنها الرغبة .. الرغبة هي التي تدفع الانسان لتحقيق مايريد بأي أسلوب، الرغبة هي التي تولد الشعور بإمكانية التطبيق لتحقيق مانريد وبعد ذلك يكون البحث عن الآلية المناسبة والسليمة للتنفيذ الذي يوصل بدروه للهدف.
حاولت زرع شعور امكانية التميز لدى الطلاب في شتى مجالات الحياة من خلال رغبتهم في ذلك والذي يتنافى مع الراحة والدعة الموجودة في المجتمع وقد غرق بها جيل الشباب دون شعور أو إلتفات لإنقضاء العمر، حيث أن من شب علي شيء شاب عليه، وكذلك الرغبة التي تتحطم على صخرة الشعور بالعجز وعدم القدرة والتردد والخوف من الفشل، وهذا الحاجز النفسي كفيل لوحده أن يعطل أي طاقة للشباب في المستقبل.
ومن الضروري الإشارة إلى أن عدالة الله تعالى في خلقه أن جعل العقل البشري مودع في كل سوي ولم يحجب هذه النعمة عن أفراد دون غيرهم وبذلك تكون نسبة التفاوت في استخدامه راجع للمرء نفسه، فمن يرغب بتنمية عقله واستخدامه الاستخدام الأمثل سيسعى جاهداً لإكساب ذاته بعض المهارات على المستوى العقلي أو البدني التي تجعله متميزاً بين أقرانه ابتداءً من الاقدام والمبادرة مروراً في البحث عن السبل الموصلة للهدف وانتهاءً بالتميز.
-
هناك هدف دفعني لهذه الكلمات في دقائق معدودة والتي استمع إليها الطلاب وكأن على رؤوسهم الطير بتمعن وتركيز، هو أن الخير موجود وطرقه متاحة فإن لم يكن هذا الخير من نصيبي فهناك من سيتصدى لهذه العملية التي تكون بذرة حسنة يحصد نتاجها المجتمع كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : الفرص تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير..

على هامش الموضوع :
أحب أن اسجل للقارئ الكريم إعتذاري وأبين إنزعاجي من ذاتي التي أحترمها كثيراً عن انقطاعي لفترة من الزمن عن الكتابة التي اعتبرها الاسلوب الوحيد للكلام دون مقاطعة وأن أبوح بكل ما يجول في خاطري دون قيد لأنقل بعض الرسائل السريعة حول المواقف التي نصطدم بها مع زحمة هذه الحياة، وها أنا أعود من جديد لأكمل ماكنت عليه في السابق من عرض لبعض الأفكار الشخصية التي أحاول أن أسلط الضوء عليها من خلال التجارب والخبرات سائلا من المولى عز وجل أن يجري على ماتخطه يدي مافيه نفع وصلاح..