السبت، 12 أكتوبر 2013



أيام قلائل ويقف حجاج بيت الله الحرام في صحراء عرفات، تحت حرارة شمسها وعلى لهيب ترابها، في مشهد تتجلى فيه مشاهد الحشر، يقف جموع الحجيج وخطاياهم بين يديهم يقدمونها ممزوجة بدموع الاعتذار وآهات الحسرة (أنا يا اِلهَي الْمُعَتَرِفُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي، اَنَا الَّذي اَسَأتُ، اَنَا الَّذي اَخْطَأتُ، اَنَا الَّذي هَمَمْتُ، اَنَا الَّذي جَهِلْتُ، اَنَا الَّذي غَفِلْتُ، اَنَا الَّذي سَهَوْتُ، اَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، اَنَا الَّذي تَعَمَّدْتُ، اَنَا الَّذي وَعَدْتُ، َاَنَا الَّذي اَخْلَفْتُ، اَنَا الَّذي نَكَثْتُ، اَنَا الَّذي اَقْرَرْتُ، اَنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدي، وَاَبُوءُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي .. ) راجين في ذلك من أكرم الأكرمين قبول العفو وكرم الصفح قبل الوقوف في ساحة المحكمة الإلهية العظمى في يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.

-

           صعيد عرفات .. محطة تنسلخ منها النفس البشرية عن بهيميتها، وتطهيرها من ذنوبها ومعاصيها التي حجبتها عن الوصول لهدف الوجود وهو الجمال المطلق والحقيقة المطلقة بعبودية صادقة خالصة لا تشوبها الشوائب، وهل لله تعالى حدود تعالى الله عن ذلك - تدركها الحواس حتى يصل العبد لربه تبارك وتعالى!!، إنما يكون ذلك بإدراك قلبي نابع عن إدراك مظاهر لطفه تبارك وتعالى وهم أهل البيت (ع)، فبهم يتوجه العبد إلى الله عز وجل وإلى دينه ومعرفته، ألم يرد في الحديث الشريف عن الإمام الرضا (ع) قال: من زار قبر أبي عبدالله (ع) بشط الفرات كمن زار الله فوق عرشه[1]..

-

فمن صحراء القداسة إلى صحراء الشهادة حيث يزحف الملايين من البشر قاصدين كعبة العشّاق.. ذلك الثائر الذي حمل روح المشعر الحرام في ركبه فاحتضن بين جنبيه التوحيد الخالص والعبودية الكاملة، فانطلق ليرسم ملحمة الخلود الأبدي ..إلهي تركت الخلق طُرّا في هواك .. وأيتمت العيال لكي أراك .. فلو قطّعتني بالحب إرباً .. لما حنّ الفؤاد إلى سواك..، لا غرابة في أن تنبع تلك الكلمات من الإمام الحسين (ع) ولو من باب لسان الحال الذي ينقله خطباء المنابر فلو تصفحنا دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة لاستشعرنا كم كانت حقيقة التوحيد متأصلة في أعماقه (ع)، وماكانت إنطلاقة الخلود والسير في درب الشهادة إلاّ مصداقاً لحالة العشق التي كانت تسري في دمه الطاهر (ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ، لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً .. )
فمن صحراء القداسة إلى صحراء الشهادة كانت حكاية الخلود تتجلى في كعبة العاشقين ..



[1] تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي

الأحد، 6 أكتوبر 2013




ها هي الأعوام تتوالى، والسنون تتلوها السنون، وذكرى الحسين a تتجدد غضة طريّة في كل عام، باقية تضرب بجذورها في عمق التاريخ مذكّرة العالم بإنتصار الدم على السيف، وغلبة الحق على الباطل، الحق الذي تجسد في الحسين ع، فهو عين الإيمان وحقيقته، وما أعداؤه إلاّ عين الكفر وحقيقته، فلا يزال الحسين a مخترقاً نواميس الطبيعة حتى غدت ذكراه حيّة يلهج بها المحبون في كل حين وحرارتها في أفئدتهم لا تنطفئ أبدا.

-

في ذاك الزمان.. حين غُيّبت معالم الدين، وتفشى الفساد في أرجاء البلاد، ولم يأمن المظلوم من العباد، حينما كانت تعيش الأمة سباتاً غيّب تعاليمها الدينية، لم تقبل تلك الفطرة الإلهية النقية بحياة تُنتهك فيها شريعة السماء، بل لم يكن يرى الإمام الحسين a الأمة إلا وقد غرقت في وحل الانفلات والانحراف، والطاغوت يعبث بدين الله الذي بات لعق على ألسنة البشر، حينها لبىّ الحسين ع نداء الشهادة مرخصاً روحه الطاهرة والأنفس الزكية التي سعت في ركبه ليكونوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

-

          وقائع سجلها التاريخ بحبرٍ أحمر، قد رسمت أحداثها لوحة ملؤها البؤس والحزن والألم، هي كذلك فعلاً .. لكن أمعن النظر .. هل ترى شموخ عليّ ع وعزّة العباس ع، ألا تسمع ذلك الدوي الذي يملأ الخافقين، ألا تسمع النداء الزينبيّ، ألا تسمع نداء الصابرة المحتسبة .. خذ يارب حتى ترضى.. نعم هي زينب بنت فاطمة (عليهما السلام)

-

          فلا تزال الأمة تعيش في كنف الإمتنان لتلك الدماء الزكيات، التي أهرقت لأجل الحق والعدالة فاستقام الدين بها بعد أن انتهكها طاغوت ذلك الزمان، وما تلك المراسم العزائية العالمية والشعائر الحسينية إلا نزر يسير من حق عظيم الدهر (الحسين بن علي عليهما السلام) على البشرية بل هو إلى التقصير أقرب .. إن الإمام الحسين a يمثل الكمال في الأرض ولا غرابة في أن يعجز الناقص وهم البشر عن أداء حق كامل أعطى الله كل شيء فأعطاه الله كل شيء.

-

          لنتجتهد كلٌ من موقعه لنقدم قرابين الحب والولاء لإمامنا ع في شهر محرم الحرام حتى نكون ممن شملهم دعاء الإمام جعفر بن محمد الصادق a "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"..