الاثنين، 18 مارس 2013

:: رؤى .. بعد عام ::


عام قد مضى ولازلت أسترق النظرة تلو النظرة على ذلك الكتاب الذي به وضعت قدمي على طريق العمل بعيداً عن التسويف واللامبالاة وألتزم مسؤوليتي اتجاه ديني أولاً واتجاه ذاتي ثانياً، ولا أخفيكم سراً  أني كلما نظرت إلى (رؤى) وقد احتظنته يد طفلتي الصغيرة عابثة به وهي ترى صورة أبيها قد طُبعت على ظهر الكتاب واسترجعت تلك الذكريات التي رافقتي في تأليف رؤى أشعر بالفخر حيال الخبرة التي اكتسبتها نتيجة البحث والسؤال والمطالعة المتنوعة والتي ساهمت في بناء جزء من ثقافتي الشخصية على الصعيد الرسالي والاجتماعي .. رؤى تعبير عن الصراع الذي يعيشه مجموعة من الشباب -وأنا أحدهم- نتيجة تجاهل الطاقات والقدرات التي يمكن أن يسمو العمل من خلالها ويشقّ طريقه نحو التكامل دون إلغاء، فمن عمل رسالي إلى آخر تطوعي تشكلت تلك الصفحات .. رؤى رسالة استشعرتُ الحاجة إلى إن أعيها جيداً لأساهم في النهوض بالمجتمع ولو بشكل فردي بطيئ تحملاً مني للمسؤولية..
-
رؤى .. شكلّت مرحلةً من مراحل عمري التي لا يمكن أن أتجاهلها وإن اخْتَلًفتْ في المستقبل، واختلافها طبيعي بتقادم العمر ومرور الزمن وتراكم الخبرات وتوسع الثقافة، لا أدعي الكمال في البحث ولكن سعيت جاهداً في وضع النقاط على الحروف وتبيان الواقع دون مجاملة أو محاباة، فلابدّ من صدمةٍ توقضنا من سباتنا، قد لا يتفق معي البعض فيما كتبت، وقد يوافقني البعض الآخر، يبقى في نهاية الأمر اجتهاداً يوضع في كفتيّ الميزان وكلاً له حساباته في ترجيح إمّا كفة الصواب أو الخطأ..أقدمت على خطوة تأليف الكتاب وأنا أعلم علم اليقين بأنه طريق ذات الشوكة بل وأن أحد الإخوة قد قالها بملئ الفم (هل أنت مستعد للمواجهة ؟)، ولكن العمل يستلزم النقد، فطالما أنك تعمل فإن نقد البعض نتيجة طبيعية ..
-
ومابين النقد والتشجيع..فإني أتوجه بالشكر الجزيل لجميع من أعانني بنقد بنّاء بعيداً عن الشخصنة والتجريح مستمسكين بنهج أمير المؤمنين (ع) :أنظر إلى ما قيل، ولا تنظر إلى من قال .. "، كما إني أعجز عن شكر اللفتة الأبوية لسماحة آية الله السيد حسين المدرسي حفظه الله على ماخطته يداه المباركة في تقديم الكتاب والذي كان له أثر السحر في تشجيعي على الاستمرار، ومما لم أفصح عنه في السابق ويُطرح للمرة الأولى بشكل علني هو المتابعة المستمرة والتدقيق والتشجيع الذي أحاطني به سماحة الشيخ علي العبّود حفظه الله طيلة مرحلة التأليف، فبه كان عودي قوياً وبرأيه استطعت أن أقف أمام الروح الانهزامية للبعض وما يبثون من رسائل سلبية فسماحة الشيخ هو الأخ الأكبر الذي ألتجئ إليه في كل الأحوال ، صدره الرحب كان ولا يزال يسعني في السرّاء والضرّاء .. شكرًا سماحة الشيخ، ولا يخفى على الجميع الدور الذي أكن له كل الإمتنان والتقدير لمن احاطوني بمشاعر الحب والود والتحفيز لأكمل تلك الأوراق التي كان تدوينها يتجه نحو المذكرات الشخصية فتحولت إلى ما هي عليه الآن  ..
                  نعم .. "العوائق تقف ضد عطاءنا إلاّ أننا نملك الإرادة التي تساعدنا على تخطي هذه الصعاب"

الجمعة، 15 مارس 2013

::إنتظار أم صناعة.. ::



( الفرص تأتي متنكرة وتذهب ساخرة .. السيد هادي المدرسي )
إدّعادٌ كثير مايطرق أسماعنا نداءه، جمع ليس بالقليل من الناس يخرّ راكعاً لجبروت الظروف التي تفرض ذاتها بقوة في الحياة بين الحين والآخر، (لماذا لم تفعل ؟) .. الجواب حاضر لهذا السؤال دائماً متستر بوهم ألا وهو "الفرصة لم تكن سانحه !!"، الاستسلام هي النتيجة، والخمول هو المظهر بيد أنه لو تأملنا الحالة الواقعية لكل فرد على حده لتوصلّنا أن الخذلان الذاتي هو أحد الأعداء المسببة لضياع الفرص بأوجه عدّة كـ عدم الكفاءة والأهلية، نعيش الأوهام تلو الأوهام حتى نؤمن بها فننظر إليها بعين الإنكسار ونهمس .. "إنها حقيقتنا المرّة!!"، وهل السراب يا سادة إلاّ إنتظار أن يقوم الفرد بإنقلاب على ذاته المستسلمة وهو قابع تحت رحمة ظروفه وما يمليه عليه القدر !!!.
-
ولعل الدافع لتناول الفرص في مقال مختصر هو الانحدار الذي تهوي إليه فئة كبيرة من شريحة البشر بفعل الرضا بواقع مرير يُعاش بتغافل أو خديعة، ولا يأبه لأي محاولة قد تغير من ذلك الواقع، فهل وجود الفرص للإنتقال من حال إلى حال هو من قبيل الصدفة ؟ هل وجود الفرص يعتمد على عوامل تساهم في وفرتها ؟ هل وجود الفرص متكافئ للجميع؟، أعتقد من المغالطة الإعتقاد بأن الفرص تتزيّن بكل جلال وجمال وتخاطب الجماهير المترقبة "أقبلوا  إليّ .. " الفرص لا تكون إلاّ صنيعة عوامل ساهمت في وجودها وحضورها لفئة دون أخرى، تبدأ بالسعي العملي في المجال الذي يسلكه الفرد مروراً بالاتقان وصولاً للتميز، فمتى ماتهيأت الظروف لاح نجم الفرصة في الأفق، وقد قرأت تعبيراً جميلاً حول الفرص.. " الفرص عزيزة النفس، لا تبالي بمن لا يبالي بها .. "، ومن المعلوم أن الفرص تأتي متنكرة لا يُعلم لها وقت فمن يرغب باقتناصها عليه أن يكون على أهبة الاستعداد .. من يرغب في استقبال الضيوف في داره عليه أن يهيأ المكان وأداوت الضيافة وما إلى ذلك ممل يدل على استعداد لإستقبال الضيوف لا أن يعمل على التجهيز في حال حضور الضيوف، فأهم مايمكن القيام به لإصطياد الفرص هو الاستعداد والاستعداد والاستعداد، الفرص وجودها متكافئ للجميع، لاتختص بشريحة وتحجب ظهورها عن شريحة أخرى، ولكن الفارق هو في السعي والاستعداد.
-
ومما ينبغي الإلتفات له الحرص على إستغلال الفرص المتوافقة مع جملة المبادئ والأهداف الإستغلال السليم وبصورة مثلى فإنها تمرُّ مرّ السّحاب كما ورد في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وتجنب الجمود على شروط تبيقنا قيد انتظار الفرصة تلو الأخرى بحجة أنها غير مناسبة أو لا تتوافق مع الشروط التفصيلية التي يمكن أن نتعامل معها بمرونة وتطويعها بما يتناسب مع تطلعات الفرد، وكذلك ينبغي الحذر من الوقوع في فخ الغصّة والركون إلى الإحباط لضياع الفرص أو حتى اللحاق بالفرص الفائتة التي من شأنها الإنشغال بما لارجعة له، الفرص لها أشكال مختلفة، وأنواع مختلفة، وأوقات مختلفة، لنعتبر من فوات الفرص ونحولها إلى دوافع لاقتناص القادم منها ..

الأحد، 10 مارس 2013

:: العزلة .. بين السلب والإيجاب ::

الإنعزال أحد أبرز السمات التي تبدو واضحة بشكل جليّ على بعض الأفراد الذين يتلقون ضربات من هنا وهناك قد تكون موجعة ولو بشكل نسبي نتيجة الإحتكاك في ايطار المحيط، كما أن الفرد يركن إلى الانعزال وفق النظرة التي يتبناها اتجاه هذا المفهوم،  فهناك من يرى الإنعزال هروباً من مواجهة الواقع إذ أن الحياة قائمة على هذه المواجهة بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الصحيح والخاطئ، والركون للإنعزال يعدّ ضعفاً وهرباً من تلك المواجهة، وقد يراها البعض الآخر على أنها مرحلة مستحقة لإعادة النظر في بعض المواقف والاتجاهات والأفكار، فهي مرحلة يستلزم الوقوف عندها لتصحيح ماسبق من المسار وتقييمه للانطلاق من جديد، ومنهم من يرى بأن الانعزال أصل بحيث أن لا حاجة للإحتكاك مع مجتمع مليء بالسلبيات بل الابتعاد هو الأسلم خوف التأثر  وغلبة الأطباع السلبية نتيجة المعايشة القهرية ..
-
يتبين من خلال العرض السابق أن للعزلة شكلان يتبناهما الناس وهما العزلة الدائمة الناتجة عن ردود الفعل السلبية من المجتمع، والعزلة المؤقتة، ولو سلطنا الضوء على روايات أهل البيت (ع) نرى بأن العزلة كانت حاضرة في كلماتهم (ع) بشكل من الأشكال، فعن الرسول الأعظم (ص) :" العزلة عبادة"، وعن أمير المؤمنين (ع) :" من اعتزل الناس سلم من شرهم"، وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال لمّا سُئل عن اعتزاله:" فسد الزمان، وتغيّر الإخوان، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد .. "، وبلحاظ ما ورد عن الأئمة (ع) أنهم يدعون إلى العزلة ولكن العزلة المنافية للرهبنة والتي تشكل المفهوم السلبي للعزلة بمعنى الانقطاع والابتعاد، حيث أن مايستشف من الروايات المباركة هو الابتعاد عن الأوساط التي توجب البُعد عن ربّ العزّة والجلالة، ومايشكل حاجزاً مانعاً عن قرب العبد من ربه، ولا يعني الانعزال عن الأجواء الايمانية المقربة من الحق تبارك وتعالى أمّا الإنعزال الدائم بدعوى الرهبنة والتفرغ للعبادة واعتزال المجتمع بما فيه من سلب وايجاب فهو ماترفضه الشريعة المقدسة ولا يمكن أن تدعو إليه، ونستدل على ذلك من قول المصطفى (ص) :"لا رهبانية في الإسلام ، رهبانية أمتي الجهاد" ..
-
وأما العزلة التي ينبغي أن نلتفت إليها هي تلك العزلة الإيجابية، التي يسعى الفرد من خلالها أن يعيد ترميم العلاقة بينه وبين ربه، بينه وبين ذاته، بينه وبين مجتمعه .. لابد من تلك الوقفات، فنتيجة لكثرة مشاغل الحياة وتزايد المسؤوليات بتقدم العمر قد يسقط العبد في ظلمات الغفلة في علاقته بالمعبود تبارك وتعالى على مستوى المعرفة أو العبادة، فمحاسبة النفس تعتبر محطة توقف توجب العزلة المؤقتة ليقيّم الفرد علاقته بالله جلّ وعلا، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للعلاقة بين المرء وذاته فوجود بعض التقصير في الجوانب الثقافية أو الاجتماعية في حياة الأفراد الشخصية تحتاج لإعادة تأهيل وتطوير وتصل في بعض الأحيان لعميلة بناء جديدة على المستويات المختلفة، أما بالنسبة لعزلة الفرد عن المجتمع بالعزلة المؤقته تكمن في أن الابتعاد ضرورة يرى من خلالها الفرد المجتمع من زاوية لا يراها وهو متوغل في أعماق ذلك المجتمع ومن المعلوم أن المواجهة المباشرة مع مشكلات المجتمع ومحاولة التغلب عليها تحتاج بين الحين والآخر لعملية صفاء الذهن والذي يكون نتيجة الانعزال المؤقت والتي يكون الفرد فيها ذو تأثير واضح وفعّال على محيطه، وبذلك تكون العزلة المؤقته هي جزء من دور الفرد في تأثيره على مجتمعه.
ومن هنا يمكن تلخيص الهدف من وجود عزلة ايجابيه مؤقته بالنقاط التالية :
1. إعادة تقييم العلاقة بين العبد وربه بمحاسبة النفس والنظر في تقصيرها اتجاه المعبود سبحانه وتعالى.
2. وقفة لتقييم الماضي والنظر إلى المستقبل وفق خطوات تدل على وعي ودراية بهدف وجود الفرد وما يسعى إليه في هذه الحياة.
3. إعادة صياغة الفرد وتقديمه للمجتمع بشكل جديد على أن يكون قد ساهم هذا الإنعزال من تطوير أدواته وأدائه وفاعليته في المجتمع.