الثلاثاء، 21 فبراير 2012

:: التربية والصداقات ::


تشكيل البشر وفق عادات وتصرفات معينة قد تعتبر من أصعب المهارات التي تتطلب الجهد والعناية في تعلمها وتطبيقها، إذ أن السلوك والقناعات التي تدفع الاشخاص نحو تصرف معين هي نتاج المشاعر والفكر والتي تُأسس بشكل أو بآخر وتُبنى بلبنة التربية والتعليم، فإن كنّا نسعى لتغيير المفاهيم والقناعات علينا تغيير القاعدة الاساسية التي انطلق منها السلوك والفعل، قد لايكون هذا حديثاً تخصصياً في مجال التربية بقدر مايكون وسيلة للتعرف على إحدى أهم وسائل تشكيل الافراد وبناء قناعتهم، فلعلم التربية أبحاثه واساتذته وانا لا اتجاسر في الوغول بين تلك الامواج، ولكن قد انقل تجربة قد عايشتها فترة من الفترات.

-

أتذكر عندما كنت طالباً في كلية التربية الأساسية وأثناء حضوري لإحدى مواد التربية التخصيصة تطرق استاذ المادة لمفهوم التربية وعرفها على أنها "عملية نقل مجموعة من العادات والتقاليد والثقافة من جيل إلى جيل"، كان ذلك المفهوم البسيط يعبّر عن القيمة العظيمة لعملية التربية، ولكن بعد الدخول في ميادين التربية و الاحتكاك ببعض الشرائح المقصودة بتلك العملية تغير ذلك المفهوم في ذهني، حتى أني اعتقد الآن بأنه لاينطبق نهائياً مع حقيقة التربية، عملية التربية وفق الواقع العملي الذي رأيته يمكن أن يُعرَّف بـ " عملية إعادة تشكيل الافراد وبناء شخصياتهم وتعديل سلوكهم وفق ثقافات ومعتقدات معينة يكون لها الأثر الايجابي في المستقبل على المجتمع".

-

تكمن أهمية عملية التربية -التي كانت جزءاً مهماً دوراً بارزاً ومسؤولية عظيمة كلّف بها الباري عز وجل أنبياءه حيث قال(( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم أياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ))- كما بيّنت في مقدمة المقالة على أنها تساعد في تغيير القناعات والسلوك والفعل اتجاه المواقف المختلفة، كما أنها تساعد على اتخاذ الخطوات الصحيحة في الحياة دون الحاجة لوجود ردات فعل معينة اتجاه المواقف، فهي في البداية تشكل الشخصية بناءاً على ثقافات ومعتقدات معينة، ومن ثم تساعد على تبني السلوك والمشاعر والفكر المنطلق من عملية التربية في التعامل مع الاخرين ومع المواقف المختلفة.

-

يمكن تقسيم عملية التربية في الاوساط الاجتماعية إلى نوعين مأثرين ولكن أحدهما يفوق الاخر فاعلية وهما التربية الموجهه (المباشرة) والتربية الغير موجهه (الغير مباشرة)، التربية الموجهه تمثل العملية التلقينية في القيام بالفعل والسلوك المعين أو اجتنابه ومثاله مايقوم به بعض الآباء والمعلمين في اصدار الأوامر المباشرة سواء كان مع بيان سبب الفعل والترك أو دونه، أمّا التربية الغير مباشرة والتي اطق عليها التربية الغير موجهه هي التي نقوم على أساس تعديل الميول والسلوك بالمعايشة والعشرة أو حتى الاعجاب بقدوة، وهذا النوع من التربية يفوق التربية المباشرة أو الموجهة من ناحية التأثير لأنه يقوم على أساس إرادة الشخص المستهدف من عملية التربية، فرغبة الشخص بإختيار القوة التي تساهم في عملية التربية أو وجوده في محيط أصدقاء لهم التأثير في تعديل ميول أو سلوك يكون بمحض إرادته دون إرغام أو إجبار.

-
ولو خصصنا الكلام في التربية الغير موجهه وخصوصاً في الدور الذي يقوم به الاصدقاء بشكل مقصود أو غير مقصود، له – في الغالب – الأثر الفاعل في في عملية التأثير، فإحدى الطرق التي يمكن للأصدقاء أن يأثروا في الشخصية المستهدفة هي (الوصول للقلب)، فكلما كانت هناك قوة في السيطرة على القلب كلما كانت عملية التأثير تقوم بدور فعّال، ولا يكون ذلك الاّ بالتودد والتلاطف بحيث يشعر الآخر بأمان الصداقة دون وجود حاجز الشعور بالنقص أو الاستعلاء من جانب الاصدقاء التي لو وجدت ستشكل ردة فعل حتمية تتسم بالسلب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أحد عوامل تأثير الاصدقاء هو القبول، فطالما أن هناك علاقة صداقة بين الطرفين فهي تقوم على وجود أرضية خصبة يمكن الانطلاق منها وهي ارتضاء الطرفين بأن يكونوا أصدقاء، فالصداقات جزء أساسي وعامل مهم من عوامل التربية وقد تكون أيضاً أكثرها فاعلية فلا نهمله في علاقاتنا مع الآخرين .