الاثنين، 24 ديسمبر 2012

:: إشكالات معاصرة ::

من المؤلم جداً أن يتبنّى البعض مِن مَن يعيش في مجتمعات يغلب عليها طابع الإتزام ولو باليسير من التعاليم  الاسلامية لبعض الاطروحات الشاذة تحت غطاء التطور والنهضة والتقدم بحجة عدم توفر الأرضية المناسبة لتطبيق الشريعة الإسلامية الأصيلة في زمن أحوج مايكون به المرء إلى الإرتباط بشرعة السماء المنجية في ظل الفتن التي تتقاذف كقطع الليل المظلم، فمع الاعتراف الظاهري بكمالية الشريعة وتمامها إلاّ أن هناك من يضمر الإعتقاد بأنها نسبية التطبيق، فهي كاملة من جهة العبادات أما من جهة التعامل الدنيوي الحياتي فإن الشريعة تحتمل  القصور ويجب الرجوع إلي القوانين الوضعية (المرنة) التي قد تكون أنسب في تطبيقها للواقع لملائمتها للأوضاع المُعاشة والاعتماد بشكل أو بآخر على العقل في مقابل النصوص الشرعية (الجامدة) التي ينبغي إعادة النظر في بعضها، والدعوة لتحكيم العقل في مناقشة آراء المتشرعين لعدم الحاجة للتخصص في  مناقشته!!.
-
ولعله يمكن إرجاع هذه الظاهرة الحديثة والتي بدأت تنتشر بين الشباب فتقودهم إلى الشك المذهبي (كما يعبر عنه الشيخ محمد جواد مغنية[1]) بحيث يصبح التشكيك والجدال هو الأساس في كل اعتقاد دون وضع إعتبارات للوصول إلى نتيجة علمية عن طريق النقل أو العقل، وكان هذا النمط يفرض سيطرته على بعض المجتمعات الشرقية عن طريق نشر الإنحلال بداية وينتهي بالإلحاد إن صح التعبير، ويمكن اسنادها إلى أسباب عدة ومنها:
1. غلبة الهوى حيث أن من المعلوم من يغلب هواه عقله سيتحرك وفق ما تمليه عليه الشهوات والتي سيشبعها بالطرق المختلفة بغض النظر عن مشروعيتها كأن يرَ الشريعة هي المانع المقيّد لإشباع النفس وأهواؤها تحت مسمى تقييد (الحرية).
2. ردة الفعل السلبية لدى البعض والتي تدفع بإتخاذ الاتجاه المضاد نظراً لسلوك قد يعتقد البعض بخطأه أو عدم تقبله ومن الممكن أن يكون نتيجة زلل قد وقع فيه من كان محاطاً بالهالة الإسلامية[2].
3. تراكم الإستفهامات دون السعي للوصول إلى الإجابات التي تدحض الشبهات، حيث أن إلقاء الشبهات وعملية التشكيك قد تجد طريقها بسهولة لمن يتقاعس عن البحث والتنقيب عن الإجابات بين ماخطه العلماء فتتكون تلك النتيجة نتيجة ذلك التراكم.
4. البيئة المحيطة ومالها دور في عملية التأثير المباشر أو الغير مباشر بالاضافة إلى مسايرتها من قبل الأفراد حفاظاً على العلاقات الإجتماعية فيكوّن ذلك الأثر ولو بالشكل النسبي على المعتقد وأنماط التفكير.
ومن الجدير بالذكر بأن لهذه الظاهرة تبعات سلوكية تُلاحظ على من يلتزم هذا النوع من التفكير بحيث تكون صفات لمن يتبع منهج التشكيك كـ : تحقير المعتقدات التي لاتنسجم مع رغباتهم و التجاسر على أهل الإختصاص من العلماء وكذلك الاستعانة بكل منحرف يسعى من خلال معول التشكيك أن يهدم المعتقدات والثوابت تحت مظلة تحرير العقول وتجديد الوعي الإسلامي.
-
ومن جملة تلك الإشكالات التي يتغنى بها الحداثيون (وأقول منها من باب المثال لا الحصر ) فيما يتعلق في نسبية الدين وصلاحيته وحجية العقل في مقابل الثابت من النصوص وقداسة نقد الشخصيات المتشرعة، ان الاجابة على هذه الشبهات قد تحتاج الى ابحاث عدة لا يسعني في مقالة مختصرة الاّ الاجابة بشكل مختصر عن بعضها ويمكن للقارئ الكريم الرجوع الى ابحاث المفكرين الإسلاميين في الرد على تلك العلمانية اتجاه الاسلام..
-
أما في موضوع اشكالية  نسبية  التطبيق بالنسبة للاسلام  ،، يجب في البداية أن ننطلق من أساس مشترك وهو أن الله سبحانه وتعالى وعبر القرآن الكريم أرشدنا إلى أن الالتزام بتعالم الاسلام هو المنجي ومن يعمل بغيره فلن يُقبل منه ( ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[3] ) لأن مقتضى العبودية أن يُعبد الله سبحانه بما يراه سبحانه، ان كان هناك اعترافاًً أولياً أن الدين الاسلامي صالح لكل زمان ومكان  فالقول بالنسبية هو تناقض لأن النسبية تقتضي الصحة في جانب واحتمال الخطأ  والقصور في جانب آخر واعتقادنا بأن الله عز وجل إنما وضع تلك التشريعات الكاملة التي لا تحتاج لأن يكملها ناقص من البشر في مقابل الكمال المطلق المتمثل بالله تعالى فتكون النسبية هي في الإدراك لتلك المفاهيم والتشريعات من قبل البشر مع وجود الحقائق البسيطة التي لاتحتمل التشكيك.. ولا أدري بأي دليل استند حصر نسبية الدين في العبادات دون سواها والقرآن الكريم وهو دستور هذا الدين يقول (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم[4]) وهو يتعرض للعبادات والمعاملات بين العبد وربه ويسن القوانين ليحكم العلاقات بين الناس في المجتمع ..

-

وأما القول بحجية  العقل في مقابل النصوص  فلا  اجتهاد  مقابل نص صريح يدعو للالتزام بحكم معين  والقول بأن الدين ثابت لا يمكن أن يحكم الدنيا المتغيره فإن الثابت هو ما وصل بالدليل القطعي وأما المتغير مما يمكن مناقشته لأنه قد وصل بدليل ظني معتمداً على اراء بشرية قابله للخطأ فلذلك الثابت يحكم المتغير لأنه يعصم عن خطأ العقول البشرية القاصره[5]، إن العقل  البشري ولقصور ادراكه في بعض التشريعات لايمكن ان نضمن من خلاله سلامة البشر وسعادته كما  يذكر ذلك السيد محمد تقي الحكيم كأحد الاسباب في تقديمه لكتاب دليل العقل عند الشيعة الامامية لــ / د.رشدي عليان " فلأن ادراكه - العقل - محدود بحدود معينة  لا يملك  أن يجتازها عادةً، فأحكامه لو كانت له احكام لابد ان تكون محدودة تبعاً لذلك الادراك، ومع كونها محدوده فهي لا تكفي لتكوين انماط سلوكيه تكفل السلامة والسعادة للبشر على كل حال"  ..

-

وبخصوص موضوع القداسه التي تعرف على أنها " من ليس لك حق نقده [6] " وهو الله عز وجل الّا من خرج عن نطاق الاسلام هنا يكون بحث آخر، فالقداسة لله وحده وما لغيره انما هي قداسة كسبيه كما ورد في القرآن الكريم    ( اخلع نعليك انك في الوادي المقدس طوى[7] ) وأما قداسة المتشرعين فتأتي من انتسابهم للدين ولله تعالى، ولا مانع من انتقاد الفتوى من قبل المتخصصين فكما ان للعلوم الطبيعية متخصصيها الذين لا يقبلون التدخل في اختصاصهم من ليسوا اهلاً كذلك هو الحال بالنسبة للعلوم الشرعية وهل ليست اقلاً منها بل هي اعظم لانها من تحدد مسار البشر  في الحياة الآخرة .. فمقتضى الموضوعية ان يترك كل مجال لأهله..
-
هي دعوة للتعقل والنظر بعين الإنصاف إلى الأمور بحد سواء والسعي للبحث عن الحقيقة بموضوعية تامة دون غلبة الهوى أو الميل الشهوي النفسي لئلا تكون سوء العاقبة التي يغفل عنها الكثير في دنياه.


[1] المراد بالشك المذهبي أن يتخذ الشك ديناص يدان به في كل شيء الشيخ محمد جواد مغنية صفحات لوقت الفراغ
[2] عن أمير المؤمنين ع (لا يعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله)
[3] سورة آل عمران 85
[4] سورة الإسراء 9
[5] السيد منير الخباز النسبية والقداسة والحرية
[6] المصدر نفسه
[7] سورة طه 12