الأحد، 10 مارس 2013

:: العزلة .. بين السلب والإيجاب ::

الإنعزال أحد أبرز السمات التي تبدو واضحة بشكل جليّ على بعض الأفراد الذين يتلقون ضربات من هنا وهناك قد تكون موجعة ولو بشكل نسبي نتيجة الإحتكاك في ايطار المحيط، كما أن الفرد يركن إلى الانعزال وفق النظرة التي يتبناها اتجاه هذا المفهوم،  فهناك من يرى الإنعزال هروباً من مواجهة الواقع إذ أن الحياة قائمة على هذه المواجهة بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الصحيح والخاطئ، والركون للإنعزال يعدّ ضعفاً وهرباً من تلك المواجهة، وقد يراها البعض الآخر على أنها مرحلة مستحقة لإعادة النظر في بعض المواقف والاتجاهات والأفكار، فهي مرحلة يستلزم الوقوف عندها لتصحيح ماسبق من المسار وتقييمه للانطلاق من جديد، ومنهم من يرى بأن الانعزال أصل بحيث أن لا حاجة للإحتكاك مع مجتمع مليء بالسلبيات بل الابتعاد هو الأسلم خوف التأثر  وغلبة الأطباع السلبية نتيجة المعايشة القهرية ..
-
يتبين من خلال العرض السابق أن للعزلة شكلان يتبناهما الناس وهما العزلة الدائمة الناتجة عن ردود الفعل السلبية من المجتمع، والعزلة المؤقتة، ولو سلطنا الضوء على روايات أهل البيت (ع) نرى بأن العزلة كانت حاضرة في كلماتهم (ع) بشكل من الأشكال، فعن الرسول الأعظم (ص) :" العزلة عبادة"، وعن أمير المؤمنين (ع) :" من اعتزل الناس سلم من شرهم"، وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال لمّا سُئل عن اعتزاله:" فسد الزمان، وتغيّر الإخوان، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد .. "، وبلحاظ ما ورد عن الأئمة (ع) أنهم يدعون إلى العزلة ولكن العزلة المنافية للرهبنة والتي تشكل المفهوم السلبي للعزلة بمعنى الانقطاع والابتعاد، حيث أن مايستشف من الروايات المباركة هو الابتعاد عن الأوساط التي توجب البُعد عن ربّ العزّة والجلالة، ومايشكل حاجزاً مانعاً عن قرب العبد من ربه، ولا يعني الانعزال عن الأجواء الايمانية المقربة من الحق تبارك وتعالى أمّا الإنعزال الدائم بدعوى الرهبنة والتفرغ للعبادة واعتزال المجتمع بما فيه من سلب وايجاب فهو ماترفضه الشريعة المقدسة ولا يمكن أن تدعو إليه، ونستدل على ذلك من قول المصطفى (ص) :"لا رهبانية في الإسلام ، رهبانية أمتي الجهاد" ..
-
وأما العزلة التي ينبغي أن نلتفت إليها هي تلك العزلة الإيجابية، التي يسعى الفرد من خلالها أن يعيد ترميم العلاقة بينه وبين ربه، بينه وبين ذاته، بينه وبين مجتمعه .. لابد من تلك الوقفات، فنتيجة لكثرة مشاغل الحياة وتزايد المسؤوليات بتقدم العمر قد يسقط العبد في ظلمات الغفلة في علاقته بالمعبود تبارك وتعالى على مستوى المعرفة أو العبادة، فمحاسبة النفس تعتبر محطة توقف توجب العزلة المؤقتة ليقيّم الفرد علاقته بالله جلّ وعلا، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للعلاقة بين المرء وذاته فوجود بعض التقصير في الجوانب الثقافية أو الاجتماعية في حياة الأفراد الشخصية تحتاج لإعادة تأهيل وتطوير وتصل في بعض الأحيان لعميلة بناء جديدة على المستويات المختلفة، أما بالنسبة لعزلة الفرد عن المجتمع بالعزلة المؤقته تكمن في أن الابتعاد ضرورة يرى من خلالها الفرد المجتمع من زاوية لا يراها وهو متوغل في أعماق ذلك المجتمع ومن المعلوم أن المواجهة المباشرة مع مشكلات المجتمع ومحاولة التغلب عليها تحتاج بين الحين والآخر لعملية صفاء الذهن والذي يكون نتيجة الانعزال المؤقت والتي يكون الفرد فيها ذو تأثير واضح وفعّال على محيطه، وبذلك تكون العزلة المؤقته هي جزء من دور الفرد في تأثيره على مجتمعه.
ومن هنا يمكن تلخيص الهدف من وجود عزلة ايجابيه مؤقته بالنقاط التالية :
1. إعادة تقييم العلاقة بين العبد وربه بمحاسبة النفس والنظر في تقصيرها اتجاه المعبود سبحانه وتعالى.
2. وقفة لتقييم الماضي والنظر إلى المستقبل وفق خطوات تدل على وعي ودراية بهدف وجود الفرد وما يسعى إليه في هذه الحياة.
3. إعادة صياغة الفرد وتقديمه للمجتمع بشكل جديد على أن يكون قد ساهم هذا الإنعزال من تطوير أدواته وأدائه وفاعليته في المجتمع.

هناك 5 تعليقات:

  1. مقال جميل ورصين كما تعودنا منك ..
    -
    * هناك رواية لطيفة للإمام الكاظم (ع) يقول فيها : "اهرب من الناس كهربك من السِباع الضارية". فرُبما يكون المقصود هنا كما تفضلت .. أن يهرب من الجانب السلبي منهم، كالجدال العقيم والسُباب وغيرها مما ابتلينا فيه بهذا الزمن.

    شكراً لك

    ردحذف
  2. شكرًا لك على مرورك

    ردحذف
  3. سلام عليكم..
    افي سلامة من ديني... ابلغ منهاج صالح في كل الاحوال ( سلام الله عليك يا امير المؤمنين )
    سلامة الدين هي نقطة المصير الاولى للسعادة دنياً واخرة ففي جميع احوال مرعاة هذه المسألة الخطيرة في الصمت والحديث وفي القيام والقعود نسأل الله السداد والتوفيق
    حتى يأذن الله بقراءة اخرى كونوا بخير

    ردحذف
  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    العزلة فن، لهذا علينا أخذ فنونها من أرباب الفنون كلّها، ..
    سلام الله على عليّ أرواحنا فداه، لم يقل شيئاً إلا وكانت قيمته عُليا.

    في العزلة المؤقتة، طاقة جبّارة، بضبطها نكون أنجزنا مشروع العزلة الإيجابية ..

    ردحذف